لسقف البيت.. نافذة زجاجية
- Haneen Adel
- 10 سبتمبر 2021
- 3 دقائق قراءة
تاريخ التحديث: 2 أكتوبر 2021

لحظات تنفرد بها فريدة، تصفو معها بنفسها متأملة إبداع الخالق بعد عناء يوم شاق؛ هو أجمل فترة تمضيها خلال يومها.
فقد اعتادت التنقل بين المدن مع ولديْها سعيا خلف رزقها. واخيرا، استقرت في مدينة جميلة تتميز بجمال أجوائها، ووفود الطيور المهاجرة الجميلة، والطبيعة التي لا تكون الاَّ كمعزوفة تتغنى ببهاء الجمال، وكأنها في كل غروب ..عروس مقبلة بليلة زفافها.
أجمل ما احبته فريدة في بيتها الصغير المتواضع، تلك النافذة الزجاجية في منتصف المنزل؛ والتي كانت تمتد من منتصف السقف من الجهة الشرقية له، ممتدةً حتا منتصف الحائط الأيمن من بداية الحائط شمالا حتا نهايته جنوباً.
كانت النافذة خلابة! لأنها أعطت مساحة لذلك المنزل الصغير واضفت عليه لمسه جمالية مميزه. غيرانها كانت تدخل ضوء الشمس، وتتيح لأبنائها منطقة للعب والاستفادة من أشعة الشمس بينما أيضا يقومان بالرسم او ينجزان بعض المشاريع المدرسية.
لم يكن ذلك السبب الوحيد لتعلق فريدة بالمنزل، بل ايضا منظر الغروب الخلاب من خلال النافذة، واغصان الشجر حين تراقصها الرياح وكأنها تلوح لها مرحبة ومتمنية لها أن تهنأ بليلها!
في احدى ليالي المغيب التي كانت باردة بعض الشيء، جلست فريدة كالمعتاد تتأمل جمال السماء وصفاءها ومنظر الغروب الذي تتداخل الوانه في اندماج جميل، مبهر. وكأن الشمس تحتسي فيه مع القمر فنجانا من الشاي. وإذا حينها، يعبر سماء الغروب سرب من الطيور الجميلة. ما كان من فريدة الا وان تنادي ابنيها في حماس وسعادة عارمه، ليشاركوها تلك اللحظة الجميلة. وهمت تركض نحوهم ممسكةً بيديهم متجهةً نحو النافذة.
تركيزها وعيناها لم يفارقا ذلك المنظر الخلاب، وهي تحتضن ابنيها وتحيطهم بوشاحها المهدى اليها من والدتها؛ لتذكرها كلما شعرت بالدفيء.
لم تدرك حينها ان خلف النافذة؛ زوجان يقطنان عن يمين السطح فوق منزلها. في تلك اللحظة، كانا الزوجان يظهران لها من النافذة، يتعانقان في حب ووئام مكللاً بلحظات من السعادة.
ولكن كانا ينظران اليها بتمعن ويحدقان بها! لم تنتبه لذلك. لكن التحديق المستمر اليها، جعلها تسترق النظر بدون ان يلاحظاها.
كانت الزوجة غريبة جدا، نظراتها عميقه وشعرها اسود ومتناثر دون تسريح ووجها بشع الملامح فوضوية المظهر. بدت كالشبح من خلف النافذة. تعجبت من مظهرها، فريدة!؟
وبينما تنظر للزوجة، كان الزوج يشير لها بيديه دون ان تراه زوجته؛ كان يشير بعينيه بإيحاءات كأنه يعرفها ويريد ان يحادثها أو يخبرها بشيء لا يريد زوجته ان تعلمه.
حينها سقط وشاح فريدة على الأرض فمدت يديها ونظرت باتجاهه لتلتقطه. بينما ترفع عينيها، فجأة! وإذا بالزوجة تقف أمامها وفي داخل منزلها، ظلت فريدة محملقه في صدمة!.
بدت الزوجة جميلة، بوجهه كأنه الصباح!.
نظرت اليها وهي مبتسمه قائلة بلهجة مختلفة عما عهدته: وجهك مشي غريب عليا، احنا شفناكي ونعَرْفوكي من قبلْ.
أجابت فريدة بنفس اللهجة: خلَعْتِني! مكنِعَرفكْش وعمري ما شفتك من قبلْ.
استغربت الزوجة من اتقان فريدة للهجه قائلة لها:
بصاح! بس حنا كنعْرفوك مزيان، مشي غير حنا، حتا صاحبتي شفتها حدايا بالشرجم. (موجهه عينيها ومشيرة بيديها نحو النافذة بتجاه صديقتها).
نظرت فريدة لصديقتها التي كانت تنظر اليها من خلف النافذة. كانت مخيفة ووجهها مزْرَق ومجعد وكأنها عرافة. شاحبة كالمرض، وصفراء كالموت، ترتدي ثوب فيكتوري الطراز؛ بالي وشاحب السواد. كانت تنظر لها وتهز بأكتافها وكأنها لا تستطيع التحكم باهتزازهم. وبدا لها شيئا كالصديد يخرج من بين جوانب شفتيها ويسيل على ذقنها وهي ترتعش بلا توقف ناظره ومحملقه إليها.
التفت الزوجة نحو فريدة وقالت لها: شفتيها هي تعرفك، وانا عطيتها اسمك وهي اللي عطتك الحلوة اللي بيديك. (كما يبدو ان الزوجة لا ترا ما تراه فريدة).
نظرت فريدة بين يديها. وإذا هي تحمل كعكة بدت شهية جدا؛ يغطي وجهها خليط كريمي مكون من الكراميل واللوتس والفول السوداني الذي لا طالما احبته وقد اكلت فريدة ربع الكعكة!؟
توجهت فريدة الى الحاوية في رعب والقت بالكعكة واخّذت تتخلص من بقاياها المفتتة عليها وتضرب بيديها مزيلة الفتات من ثيابها ومن على صدرها ويديها وهي تتنهد في خوف وعجل.
قالت لها الزوجة: انا قلت عنك لصاحبتي وهي كتعْرفك مزيان وحلفت ما تخليك ترتاحِ بحياتك وغدي توريك الموت. بس هي كل ما كتجي تقرا وتعرف عليك مكتقدرش وصعيب، عيينا، سالينا.
تبسمت فريدة في وجهها وأجابت في عظمة وثقة وشموخ: غير خليها عمرها ماغدي تعرفني او تعرف شيء، ماتقْدرش.
والتفتت حامله معها ما تبقا لها من يومها متجهة في حيادهم.

Comments